القطاعات الأربعة- ديناميكية جديدة في عالم متغير

المؤلف: عبداللطيف الضويحي11.26.2025
القطاعات الأربعة- ديناميكية جديدة في عالم متغير

بالرغم من التباين الشاسع في الأنظمة السياسية والاقتصادية السائدة عبر العالم، والتطورات المستمرة التي تشهدها هذه الأنظمة من أمة إلى أخرى ومن حقبة زمنية إلى أخرى، إلا أن جوهر الصراعات الطبقية وخلاصة التجارب الثرية وممارسات الشعوب والدول قد أفضت في نهاية المطاف إلى هيمنة ثلاثة أنواع رئيسية من الأطر التنظيمية، أو ما يُعرف بالقطاعات، والتي تتولى إدارة وتسيير شؤون حياة البشر واحتياجاتهم اليومية المتنوعة:

1- القطاع الحكومي أو العام، الذي يمثل الذراع التنفيذي للدولة.

2- القطاع الخاص، الذي يشمل عالم التجارة والأعمال والاستثمار بمختلف أشكاله.

3- القطاع غير الربحي، الذي يركز على خدمة المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.

لكل قطاع من هذه القطاعات الثلاثة دور حيوي يضطلع به، وأهداف طموحة يسعى إلى تحقيقها، وذلك وفقًا لإمكاناته المتاحة والنظرية الاقتصادية والسياسية التي يعمل في إطارها وتحت تأثيرها، وأيضًا تبعًا لديناميكية السوق أو المجتمع الذي تحتضنه هذه القطاعات الثلاثة. ومع ذلك، ظلت العلاقة بين هذه القطاعات في كثير من الأحيان تخضع لحالة من المد والجزر، يكتنفها الغموض ويسودها الحذر. فتارة تتسم العلاقة بين هذه القطاعات بالتكامل والتعاون المثمر، وتارة أخرى تتحول العلاقة بين الأطر الثلاثة لتصبح تنافسية وصراعية، وفي بعض الأحيان يبدو كل قطاع وكأنه يعمل في عزلة تامة عن بقية القطاعات، وأحيانًا أخرى يقوم أحد القطاعات بانتحال دور القطاع الآخر لأسباب متعددة، منها الأسباب الثقافية والسياسية المتداخلة.

لقد انقضى زمن طويل كان فيه القطاع الثالث يتوسع وينكمش بشكل ملحوظ، وذلك بهدف سد الثغرات الناجمة عن غياب أو قلة أو انعدام دور القطاع العام والقطاع الخاص. فكلما تراجع أو غاب دور القطاعين العام والخاص، ازداد حجم وأهمية القطاع الثالث بشكل ملحوظ، والعكس صحيح.

واليوم، نشهد ظهور لاعب رابع جديد في هذه المعادلة المعقدة، يعمل جنبًا إلى جنب مع القطاعات الثلاثة الأخرى، ولكنه يتبع نهجًا مختلفًا تمامًا عن قواعد العمل التقليدية في تقاسم الأدوار المتعارف عليها بين القطاعات الثلاثة. فالقطاع الرابع الجديد يعمل مدفوعًا بمزيج فريد من الاحتياجات الناجمة عن قصور أو تقصير القطاعات الثلاثة، والإمكانات الهائلة التي يمتلكها، مدعومًا بقوة تأثير شبكات التواصل الاجتماعي الهائلة والإمكانات التقنية المتقدمة.

يمكن اعتبار القطاع الرابع قطاعًا مستقلاً بذاته، نظرًا لقوته المتنامية والإمكانات الهائلة التي يمتلكها، فضلاً عن قدرته الكبيرة على التأثير في الرأي العام وتوجيهه. فهو يمتلك بيانات ضخمة وموارد قيمة تؤهله للعب دور جوهري في الإدارة والمتابعة والتقييم، والوصول إلى الرأي العام وتشكيله والتأثير فيه وتوجيهه وتحديد أولوياته.

لا يمكن تجاهل القطاع الرابع أو إيقافه، بل يجب علينا الاستفادة القصوى من إمكاناته الهائلة وتوظيفها لتعزيز أدوار القطاعات الثلاثة الأخرى. ويمكننا الحد من سلبيات القطاع الرابع إلى حد كبير من خلال تفعيل أدوار القطاعات الثلاثة، وبما يخدم المستهدفين في كل قطاع على حدة. كما يجب علينا فتح قنوات اتصال مؤسسي فعالة معها وبينها، والاستمرار في تحسين الخدمات المقدمة وتلبية كل احتياج طارئ أو مستجد بفاعلية وكفاءة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة